الوسائل المعينة للوالدين على تحفيظ أبنائهم القرآن
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على منة الإيمان ، والحمد لله على الصحة في الأبدان ، والحمد لله على الأمن في الأوطان ، والحمد لله الذي علم القرءان ، خلق الإنسان ، علمه البيان .
أما بعـد :
فإن من نعم الله علينا أن رزقنا بنين وحفدة ، ومنَّ علينا بالصحة والفراغ والجِدة . وكان حق ذلك أن نقابل هذه النعم بالشكر والتقوى ، كما نبه نبي من أنبياء الله قومه، فقال :
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء .
ولم يزل أولياء الله وعباده الصالحون قوامين لله بالقسط فيما استرعاهم الله عليه من هذه الذرية ؛ تربيةً ، وتهذيباً ، وإصلاحاً ، كما قال الأول :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
فحفظ الله سيرتهم تلك في كتابه ، فقال عن أبينا إسماعيل عليه السلام :
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) مريم .
وبما أمر به إسماعيل أمر ابنه محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقال :
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه .
وأوصى عموم عباده المؤمنين بهذه المسؤولية العظيمة ، فقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون التحريمَ (6) .
وعن عمرو بن سعيد بن العاص، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدب حسن رواه الترمذي : رقم (1952)
ومن أجَلِّ ما عني السلف الصالح بتنشئة أولادهم عليه ، حفظ كتاب الله تعالى .
قال الإمام البخاري : باب تعليم الصبيان القرءان . وساق فيه بسنده عن ابن عباس، رضي الله عنهما: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم ) رقم (5035) ، وقوله أيضاً : ( جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقيل له : وما المحكم ؟ قال : المفصل ) رقم (5036).
وقد دل الحديث على فوائد منها :
1.استحباب البداءة بالمفصل عند تعليم الصغار ، لأنه أسهل عليهم .
2. ينبغي ألا يبلغ عشر سنين إلا وقد حفظ المفصل .
والسن التي يبدأ عندها بتعليم الصغار القرءان : من حين يعقل ويميز ، وذلك ببلوغه سبع سنين . وقد روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب قال : كان الغلام إذا أفصح من بني عبدالمطلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبعاً : وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً الإسراء (111).المصنف:10/556
وروى أيضاً عن إبراهيم النخعي، قال : ( كانوا يكرهون أن يعلموا أولادهم حتى يعقلوا ) المصنف : 5/557.
ولا ريب أن التربية تتطلب قدراً من الجهد والمعاناة من قـِبل الأبوين ، على تفاوت بين الأولاد في ذلك . ومن الأسباب المعينة لهما لبلوغ الغاية المأمولة ، والفرحة المنشودة ما يلي :
أولاً : القدوة الحسنة :
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( ليكن أول إصلاحك لولدي، إصلاحك لنفسك ؛ فإن عيونهم معقودة بك ؛ فالحسَن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت ) البيان والتبيين .
ولا ريب أن الطفل الذي يفتح عينيه على أبويه يتلوان القرءان ، آناء الليل وأطراف النهار ، سينشأ معظماً للقرءان ، محباً له ، مستسهلاً ثني ركبتيه في حلق التحفيظ ، متشوفاً للسير على خطى والديه . كما أن رفع المثل العليا ، وضرب الأمثلة بسير النبلاء والصالحين ، والموفقين من أقرانه ، وأترابه، حافز له على التأسي والاقتداء.
ثانياً : التعويد منذ الصغر :
عن الربَيِّع بنت معوذ، رضي الله عنها، قالت : ( أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت : فكنا نصومه بعد ، ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن ؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك ، حتى يكون عند الإفطار ) متفق عليه .
وقال ابن مسعود، رضي الله عنه : ( حافظوا على أبنائكم في الصلاة ، ثم تعودوا الخير ؛ فإن الخير بالعادة ) رواه البيهقي، وعبدالرزاق، وابن أبي الدنيا، وابن أبي شيبة .
ثالثاً : السياسة الحسنة :
جاء في كلام عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( وعلمهم كتاب الله ، ولا تكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ) البيان والتبيين .
فعلى المربي الحكيم أن يلحظ نفسية الناشئ ، وما يقع لها من إقبال وإدبار ، وانبساط وانقباض ، فيستغل حال نشاطه ، ويخفف عنه حال تبرمه وفتوره . ومن ذلك أن يتيح له ما يكفيه للترويح ، والتلذذ بمباهج الطفولة ، وأشواق الشباب ، ولا يحمله على عزائم الكبار ، فإن لكل زمان لبوساً .
رابعاً : الحوافز التشجيعية :
عن أبي خبيب الكرابيسي ، رحمه الله ، قال : كان معنا ابن لأيوب السختياني ، في الكُتَّاب، فحذق الصبي ، فأتينا منزلهم ، فوضع له منبر ، فخطب عليه، ونهبوا علينا الجوز ، وأيوب قائم على الباب ، يقول لنا : ادخلوا ، وهو خاص لنا .
وقال يونس : حذق ابن لعبد الله بن الحسن، فقال عبد الله : إن فلاناً قد حذق ، فقال الحسن ، رضي الله عنه : كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً ، وصنعوا طعاماً للناس ) رواه ابن أبي الدنيا .
عن النضر بن شميل، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : قال لي أبي : يا بني ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثاً وحفظته ، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا)
وهذه الآثار، وأمثالها ، تدل على أن الاحتفاء بالحفاظ ، وتكريم أهل القرءان ، من الصغار ، طريقة إسلامية ، وعادة سلفية ، درج عليها المسلمون منذ عهودهم الأولى ، ورصدوا لها الجوائز التشجيعية ، والحوافز المادية والمعنوية ، ولم يروا ذلك ، كما يدعيه بعض الناس ، قادحاً في النية ، أو مناقضاً لحسن التربية . والله أعلم .
خامساً : الدعاء لهم :
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) ، وعنه أيضاً : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) إبراهيمِ (40) ، وكذلك قوله : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) الصافات .
وقال عن زكريا عليه السلام : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً )
(6) مريم.
وقال عن عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )
(74 ) الفرقان .
وكثير من الآباء والأمهات يغفل عن هذا الباب ، وتستغرقه مُجريات الحياة ، فيسعى لاهثاً في توفير الأسباب المادية لرفع مستوى أبنائه ، وينسى أمر الدعاء ، مع عظيم أثره . بل ، إن من الآباء والأمهات الحمقى من يفعل العكس ! فإذا غضب على أحد من أولاده ، دعا عليه غير آبه ! فربما استجيبت دعوته ، فشقي بها الولد والوالد.
سادساً : انتخاب الرفقة الصالحة ، وتجنيبهم رفقة السوء :
ما سمي الإنسان إنساناً ، إلا لميله إلى المؤانسة والخلطة والاجتماع ، فهو مدني بطبعه ، كما يقال . ولما كان الأمر كذلك ، كان ينبغي للمربي الحكيم أن لا يدع أمر الرفقة متروكاً للظروف ، بل عليه أن يسعى جاهداً لإحاطة ولده برفقة صالحة ، وبيئة نقيه ، يتنفس من خلالها الطهر والنقاء والسمت والأدب ، وأن يجنبه رفقة السوء من البطالين والعابثين . ولعل خير وسط يترعرع فيه الناشئ حلق القرءان ، في أكناف المساجد ، مأوى الملائكة ، ومتعلق قلوب الصالحين . قال الإمام الذهبي ، رحمه الله : (قد ثبت بقول المصطفى صلوات الله عليه :" أفضلكم من تعلم القرءان وعلمه" يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد ؟ وهل نشر العلم يقارب تعليم القرءان ؟ كلا، والله ! وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب ) السير:6/396
كتبه : د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم
عنيزة ، في : 4/1/1426
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على منة الإيمان ، والحمد لله على الصحة في الأبدان ، والحمد لله على الأمن في الأوطان ، والحمد لله الذي علم القرءان ، خلق الإنسان ، علمه البيان .
أما بعـد :
فإن من نعم الله علينا أن رزقنا بنين وحفدة ، ومنَّ علينا بالصحة والفراغ والجِدة . وكان حق ذلك أن نقابل هذه النعم بالشكر والتقوى ، كما نبه نبي من أنبياء الله قومه، فقال :
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء .
ولم يزل أولياء الله وعباده الصالحون قوامين لله بالقسط فيما استرعاهم الله عليه من هذه الذرية ؛ تربيةً ، وتهذيباً ، وإصلاحاً ، كما قال الأول :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
فحفظ الله سيرتهم تلك في كتابه ، فقال عن أبينا إسماعيل عليه السلام :
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) مريم .
وبما أمر به إسماعيل أمر ابنه محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقال :
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه .
وأوصى عموم عباده المؤمنين بهذه المسؤولية العظيمة ، فقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون التحريمَ (6) .
وعن عمرو بن سعيد بن العاص، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدب حسن رواه الترمذي : رقم (1952)
ومن أجَلِّ ما عني السلف الصالح بتنشئة أولادهم عليه ، حفظ كتاب الله تعالى .
قال الإمام البخاري : باب تعليم الصبيان القرءان . وساق فيه بسنده عن ابن عباس، رضي الله عنهما: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم ) رقم (5035) ، وقوله أيضاً : ( جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقيل له : وما المحكم ؟ قال : المفصل ) رقم (5036).
وقد دل الحديث على فوائد منها :
1.استحباب البداءة بالمفصل عند تعليم الصغار ، لأنه أسهل عليهم .
2. ينبغي ألا يبلغ عشر سنين إلا وقد حفظ المفصل .
والسن التي يبدأ عندها بتعليم الصغار القرءان : من حين يعقل ويميز ، وذلك ببلوغه سبع سنين . وقد روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب قال : كان الغلام إذا أفصح من بني عبدالمطلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبعاً : وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً الإسراء (111).المصنف:10/556
وروى أيضاً عن إبراهيم النخعي، قال : ( كانوا يكرهون أن يعلموا أولادهم حتى يعقلوا ) المصنف : 5/557.
ولا ريب أن التربية تتطلب قدراً من الجهد والمعاناة من قـِبل الأبوين ، على تفاوت بين الأولاد في ذلك . ومن الأسباب المعينة لهما لبلوغ الغاية المأمولة ، والفرحة المنشودة ما يلي :
أولاً : القدوة الحسنة :
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( ليكن أول إصلاحك لولدي، إصلاحك لنفسك ؛ فإن عيونهم معقودة بك ؛ فالحسَن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت ) البيان والتبيين .
ولا ريب أن الطفل الذي يفتح عينيه على أبويه يتلوان القرءان ، آناء الليل وأطراف النهار ، سينشأ معظماً للقرءان ، محباً له ، مستسهلاً ثني ركبتيه في حلق التحفيظ ، متشوفاً للسير على خطى والديه . كما أن رفع المثل العليا ، وضرب الأمثلة بسير النبلاء والصالحين ، والموفقين من أقرانه ، وأترابه، حافز له على التأسي والاقتداء.
ثانياً : التعويد منذ الصغر :
عن الربَيِّع بنت معوذ، رضي الله عنها، قالت : ( أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت : فكنا نصومه بعد ، ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن ؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك ، حتى يكون عند الإفطار ) متفق عليه .
وقال ابن مسعود، رضي الله عنه : ( حافظوا على أبنائكم في الصلاة ، ثم تعودوا الخير ؛ فإن الخير بالعادة ) رواه البيهقي، وعبدالرزاق، وابن أبي الدنيا، وابن أبي شيبة .
ثالثاً : السياسة الحسنة :
جاء في كلام عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( وعلمهم كتاب الله ، ولا تكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ) البيان والتبيين .
فعلى المربي الحكيم أن يلحظ نفسية الناشئ ، وما يقع لها من إقبال وإدبار ، وانبساط وانقباض ، فيستغل حال نشاطه ، ويخفف عنه حال تبرمه وفتوره . ومن ذلك أن يتيح له ما يكفيه للترويح ، والتلذذ بمباهج الطفولة ، وأشواق الشباب ، ولا يحمله على عزائم الكبار ، فإن لكل زمان لبوساً .
رابعاً : الحوافز التشجيعية :
عن أبي خبيب الكرابيسي ، رحمه الله ، قال : كان معنا ابن لأيوب السختياني ، في الكُتَّاب، فحذق الصبي ، فأتينا منزلهم ، فوضع له منبر ، فخطب عليه، ونهبوا علينا الجوز ، وأيوب قائم على الباب ، يقول لنا : ادخلوا ، وهو خاص لنا .
وقال يونس : حذق ابن لعبد الله بن الحسن، فقال عبد الله : إن فلاناً قد حذق ، فقال الحسن ، رضي الله عنه : كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً ، وصنعوا طعاماً للناس ) رواه ابن أبي الدنيا .
عن النضر بن شميل، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : قال لي أبي : يا بني ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثاً وحفظته ، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا)
وهذه الآثار، وأمثالها ، تدل على أن الاحتفاء بالحفاظ ، وتكريم أهل القرءان ، من الصغار ، طريقة إسلامية ، وعادة سلفية ، درج عليها المسلمون منذ عهودهم الأولى ، ورصدوا لها الجوائز التشجيعية ، والحوافز المادية والمعنوية ، ولم يروا ذلك ، كما يدعيه بعض الناس ، قادحاً في النية ، أو مناقضاً لحسن التربية . والله أعلم .
خامساً : الدعاء لهم :
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) ، وعنه أيضاً : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) إبراهيمِ (40) ، وكذلك قوله : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) الصافات .
وقال عن زكريا عليه السلام : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً )
(6) مريم.
وقال عن عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )
(74 ) الفرقان .
وكثير من الآباء والأمهات يغفل عن هذا الباب ، وتستغرقه مُجريات الحياة ، فيسعى لاهثاً في توفير الأسباب المادية لرفع مستوى أبنائه ، وينسى أمر الدعاء ، مع عظيم أثره . بل ، إن من الآباء والأمهات الحمقى من يفعل العكس ! فإذا غضب على أحد من أولاده ، دعا عليه غير آبه ! فربما استجيبت دعوته ، فشقي بها الولد والوالد.
سادساً : انتخاب الرفقة الصالحة ، وتجنيبهم رفقة السوء :
ما سمي الإنسان إنساناً ، إلا لميله إلى المؤانسة والخلطة والاجتماع ، فهو مدني بطبعه ، كما يقال . ولما كان الأمر كذلك ، كان ينبغي للمربي الحكيم أن لا يدع أمر الرفقة متروكاً للظروف ، بل عليه أن يسعى جاهداً لإحاطة ولده برفقة صالحة ، وبيئة نقيه ، يتنفس من خلالها الطهر والنقاء والسمت والأدب ، وأن يجنبه رفقة السوء من البطالين والعابثين . ولعل خير وسط يترعرع فيه الناشئ حلق القرءان ، في أكناف المساجد ، مأوى الملائكة ، ومتعلق قلوب الصالحين . قال الإمام الذهبي ، رحمه الله : (قد ثبت بقول المصطفى صلوات الله عليه :" أفضلكم من تعلم القرءان وعلمه" يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد ؟ وهل نشر العلم يقارب تعليم القرءان ؟ كلا، والله ! وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب ) السير:6/396
كتبه :الشيخ د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم
عنيزة ، في : 4/1/1426